سورة الشرح - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشرح)


        


{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)}
شرح الصدر: فتحه، أي ألم نفتح صدرك للإسلام.
وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: ألم نلين لك قلبك.
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: قالوا يا رسول الله، أينشرح الصدر؟ قال: «نعم وينفسح. قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك علامة؟ قال: نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاعتداد للموت، قبل نزول الموت». وقد مضى هذا المعنى في الزمر عند قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}. وروي عن الحسن قال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} قال: ملئ حكما وعلما.
وفي الصحيح عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة- رجل من قومه- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة فأتيت بطست من ذهب، فيها ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا» قال قتادة قلت: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني، قال: «فاستخرج قلبي، فغسل قلبي بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حشي إيمانا وحكمة».
وفي الحديث قصة. وروي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «جاءني ملكان في صورة طائر، معهما ماء وثلج، فشرح أحدهما صدري، وفتح الآخر بمنقاره فيه فغسله».
وفي حديث آخر قال: «جاءني ملك فشق عن قلبي، فاستخرج منه عذرة، وقال: قلبك وكيع، وعيناك بصيرتان، وأذناك سميعتان، أنت محمد رسول الله، لسانك صادق، ونفسك مطمئنة، وخلقك قثم، وأنت قيم». قال أهل اللغة: قوله وكيع أي يحفظ ما يوضع فيه. يقال: سقاء وكيع، أي قوي يحفظ ما يوضع فيه. واستوكعت معدته، أي قويت وقوله: قثم أي جامع. يقال: رجل قثوم للخير، أي جامع له. ومعنى أَلَمْ نَشْرَحْ قد شرحنا، الدليل، على ذلك قوله في النسق عليه: {وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ} فهذا عطف على التأويل، لا على التنزيل، لأنه لو كان على التنزيل لقال: ونضع عنك وزرك. فدل هذا على أن معنى أَلَمْ نَشْرَحْ: قد شرحنا. ولَمْ جحد، وفي الاستفهام طرف من الجحد، وإذا وقع جحد، رجع إلى التحقيق، كقوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ} [التين: 8]. ومعناه: الله أحكم الحاكمين. وكذا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36]. ومثله قول جرير يمدح عبد الملك ابن مروان:
ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح
المعنى: أنتم كذا.


{وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)}
قوله تعالى: {وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ} أي حططنا عنك ذنبك. وقرأ أنس {وحللنا} {وحططنا}. وقرأ ابن مسعود: {وحللنا عنك وقرك}. هذه الآية مثل قوله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]. قيل: الجميع كان قبل النبوة. والوزر: الذنب، أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية، لأنه كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كثير من مذاهب قومه، وإن لم يكن عبد صنما ولا وثنا. قال قتادة والحسن والضحاك: كانت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذنوب أثقلته، فغفرها الله له الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ أي أثقله حتى سمع نقيضه، أي صوته. واهل اللغة يقولون: أنقض، الحمل ظهر الناقة: إذا سمعت له صريرا من شدة الحمل. وكذلك سمعت نقيض الرحل، أي صريرة. قال جميل:
وحتى تداعت بالنقيض حباله *** وهمت بواني زوره أن تحطما
بواني زوره: أي أصول صدره. فالوزر: الحمل الثقيل. قال المحاسبي: يعني ثقل الوزر لو لم يعف الله عنه. {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} أي أثقله وأوهنه. قال: وإنما وصفت ذنوب الأنبياء بهذا الثقل، مع كونها مغفورة لشدة اهتمامهم بها وندمهم منها وتحسرهم عليها.
وقال السدي: وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ أي وحططنا عنك ثقلك. وهي في قراءة عبد الله بن مسعود {وحططنا عنك وقرك}.
وقيل: أي حططنا عنك ثقل آثام الجاهلية. قال الحسين ابن المفضل: يعني الخطأ والسهو.
وقيل: ذنوب أمتك، أضافها إليه لاشتغال قلبه بها.
وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة: خففنا عنك أعباء النبوة والقيام بها، حتى لا تثقل عليك.
وقيل: كان في الابتداء يثقل عليه الوحي، حتى كاد يرمي نفسه من شاهق الجبل، إلى أن جاءه جبريل واراه نفسه، وأزيل عنه ما كان يخاف من تغير العقل.
وقيل: عصمناك عن احتمال الوزر، وحفظناك قبل النبوة في الأربعين من الأدناس، حتى نزل عليك الوحي وأنت مطهر من الأدناس.


{وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (4)}
قال مجاهد: يعني بالتأذين. وفية يقول حسان بن ثابت:
أغر عليه للنبوة خاتم *** من الله مشهود يلوح ويشهد
وضم الاله اسم النبي إلى اسمه *** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وروي عن الضحاك عن ابن عباس، قال: يقول له لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان، والإقامة والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى: وأيام التشريق، ويوم عرفة، وعند الجمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها. ولو أن رجلا عبد الله جل ثناؤه، وصدق بالجنة والنار وكل شي، ولم يشهد أن محمدا رسول الله، لم ينتفع بشيء وكان كافرا.
وقيل: أي أعلينا ذكرك، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك، وأمرناهم بالبشارة بك، ولا دين إلا ودينك يظهر عليه.
وقيل: رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء، وفي الأرض عند المؤمنين، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود، وكرائم الدرجات.

1 | 2